كتب د سمير ايوب
إرضاع الكبير - بين الجرأة على القرآن الكريم وتعسف الفهم المغلوط
الموروث البشري في التدين – مقاربة نقدية ( 21)
هناك آلاف مؤلفة من الأحاديث المكذوبة ، المنسوبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم . دحْضُها وإثباتُ بُطلانها ، بحاجةٍ الى عمل جماعي وجُهدٍ دؤوب متصل . من هذه الأحاديث فِريةُ إرضاع الكبير ، التي تحاول وسائل ألأعلام ، ان تجعل منها وصمةَ عارٍ في حياة المسلمين . من المُؤسف أن هناك ُ من أهل الحَشْوِ (حرفيون في التدين الشكلي ) من ينسبون هذه الفرية الفاسدة الى رسول الله . يطلقونها ويدافعون عنها ، بغير حياء ولا خجل ، فى ما يسمى عند المسلمين بالصحاح . نذكر منها : ( البخاري: برقم3699 ، ومُسلم: برقم 2636، والنسائي برقم: 3267 ، وأبو داود برقم 1762 ، وابن ماجة برقم 1933 ، وأحمد بن حنبل برقم 25125 ، مالك برقم1113 ، و الدارمى برقم 2157 ) ,
كَثُرت نصوص الفِرْية لتعدد رواتها . وإختلفت في مضامينها لتعدد أغراض توظيفها . حتى باتت بما أُدْرِجَ فيها من دسٍّ وتدليسٍ مسألةً خِلافية كبيره . صرنا في حاجة ماسة ، إلى إعادة ترتيب وقائعها الأولى . أخرج هذه المسألة البخاري ومسلم وغيرهم كثير . منسوبةً الى حوارٍ يقال أنه كان قد دار، بعد وفاة رسول الله ( ص ) بين زوجتيه عائشة وأم سلمه . عمدة ذاك الحوار ، الذي أسس بإمتياز ، لما بات يعرف بمسألة إرضاع الكبير ، وما تفرع عنها من فوضى فكرية ، ضاع فيها الحق ، وسط ركام هائل من الباطل ،
الملخص التالي للمسألة :
كانت ام المؤمنين عائشة ، بعد وفاة رسول الله (ص) ، تُدخل عليها غلاما شابا . فقالت لها ام المؤمنين ام سلمة معترضة : يدخل عليك الغلام ألأيفع ، الذي ما أحب ان يدخل علي . فردت عائشة مبررة : أما لك في رسول الله أسوة ؟ وأضافت ، قصة سهيلة زوجة ابي حذيفة ومولاهما سالم . وقول رسول الله ( ص ) لسهيلة ، ليحرم عليها ويدخل بلا حرج ، إرضعيه . فأرضعت سهيله مولاها سالم ، وهورجل كبير ملتح ومتزوج ، خمس رضعات وفي قول آخر عشر . فكان لها بعد تلك الرضعات بمثابة ولدها .( وفق الرواية المنسوبة لعائشة ، والله أعلم ). ولكن ام سلمة وسائر أزواج النبي ، أبين ان يدخلن عليهن بتلك الرضاعة احدا من الناس . وقلن لعائشة : لا والله ما نرى الذي امر به رسول الله سهيلة ، إلا رخصة لسالم وحده .
مسألة خلافية
منذ القول بهذه الفلرية ، ذهبت المرويات فيها وفي تفسيراتها ، مذاهب شتى . جعلت منها ساحة عراك أضاع الكثير من الحق . دار ولا تزال رحاه تدور ، بين مؤيد مدافع بغير علم ، يُفسد اكثر مما يُصلح . ومعترض مستغل ، يوظف المسألة في صراع سياسي اومذهبي ، لنشر باطل مُشَوِّهٍ يطعن في الاسلام .
• فهناك من يتناول مسألة إرضاع الكبير ، مشككا في وقوع الحكاية من أصلها ، وفي صحة الحوار المنسوب لزوجي الرسول . مؤكدا على انها دسيسة دست على امهات المؤمنين لتشويههن .
• وهناك من يراها ثابتة صحيحة لا مطعن فيها . كعائشه التي أخذت وحفصه ، من هذا الحديث ، ان الحكم عام وليس رخصة لسالم . فلذلك كانت تأمر اختها ام كلثوم وبنات اخيها ان يرضعن من تحب ان يدخل عليها من الرجال الكبار .
• وهناك مذهب سائر ازواج النبي ، اللواتي قلن لا والله ، ما نرى الذي امر به رسول الله الا رخصة منه في رضاعة سالم ولا يتعداه الى غيره . وهو مذهب الجمهورأيضا .
• وهناك من تعسف في محاولاته البحث عن مخارج ، من تبعات هذا القول الصادم . فأمسك العصا من الوسط ، لتسويغ ارضاع الكبير ، رابطا عموميته بعلته وجوداً وعَدَماً . شريطة أن يتم ارضاع الرجل البالغ شربا من اناء ، لا مصا بملامسة ثدي إمرأة تحرم عليه .
خلاصة الأمر :
بعد أن تم إبطال التبني في سورة الأحزاب ، ورَدُّ جميع المتبنين الى آبائهم ، وتم تنظيم الحياة الاجتماعية والاسرية ، وُجِدَ من لم يَرُق له قبول الأمتثال لهدي الله ، وما رافقه من تضحيات اجتماعية مؤلمة . فتصور بلا ضوابط ، بعض أبالسةِ الموروث وصيارفة المرويات ، ان حل المشكلة هو في فبركة حكاية إرضاع الكبير . فكانت حبكة لقصة تناقض الكثير من الاسس الايمانية . وتبعث في النفس القرف والاستغراب . دون ان تليق بكرامة المرأة ، ولا بشرف الرجل الحر .
فوقعوا في تناقضات جمة ، كشفت زيف ما نسبوه بالتزوير الى رسول الله ( ص ) وأمهات المؤمنين . منها :
1- النبي (ص) بنص القرآن مُتبع لكتاب الله . لايستطيع زيادة أو إنقاص حرفً في وحي الله . وأنه لم يُخالف القرآن الكريم في أقواله ولا في أفعاله . وأنه طبق في سننه أوامر القرآن كما هي . ونسأل أهل االفرية : هل من حق النبي عليه الصلاة والسلام ، أن يُعطى رُخصا مُخالفة لكتاب الله ؟
2- لأن مروية إرضاع الكبير تُخالف صريح القرآن . وأي روايات تُخالف النص القرآني باطلة ، حتى ولو وردت فى كل صحاح المسلمين سنة وشيعة . فالله سبحانه قد حدد بالوحي وبدقة شديدة ، أن الرضاع المحرم للزواج هو ما كان بالثدي ، وهو ما كان في الحولين ألأوليين فقط . وأن امهات المؤمنين كن يعرفن هذه الآيات وما ترمي اليه .
3- احكام الاسلام ليس فيها خاص وعام ، مع قول الرسول : وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ( البخاري 3216)
4- كل نسا ء النبي، محرمات بنص قرآني على المسلمين . ولا يجوز الحديث معهن ، الا من وراء حجاب كما ينص القرآن الكريم على ذلك أيضا . فلسن بحاجة الى هكذا فتاوى من الأساس .
5- إن الإسلام الذى أمر أتباعه بغض البصر، لا يُعقل أن يكون فى شريعته ما يُبيح لرجل أجنبي أن أن يطلع او ان يضع فمه على ثدي اجنبية عنه ويرضع منها .
6- كثير من الذين يقولون بتلك الفرية ، لايدركون ان الرضاعه المشبعة لا تكون الا من ثدي مليئ بالحليب . ولايكون ذلك إلا ممن وضعت مولودا حديثا ، وكانت ترضعه بصفة مستمرة ومنتظمه . وبدون وجود ذلك الحليب ,لايسمى الفعل رضاعه بل يتحول الى فعل جنسى بين امرأة ورجل .
أختم بالتأكيد لكل ذي عقل : أن كل مروية فى أي من كتب أهل التشيع و أهل السنة ، تخالف كتاب الله وسنن رسوله المؤكدة ، هي من أقوال المدلسين ، أعداء الآيةِ أنصارُ الرواية. ولقد آن الأوان أن نعقل ونتدبر كتاب الله ، كما أمرنا سبحانه . فالتدبر ملزم للجميع : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيراً ) النساء 82.
وهنا أود أن ألفت النظر الى القاعدة الشاذه التي اخترعها أهل الرواية ، وهي التى تقول : العقل لا يصلح للحكم على النقل !!! والله يقول لنا مؤكدا فى اكثر من نص في القرآن الكريم : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) يوسف 2. فمن لاعقل له لا خطاب معه ، لا من الله سبحانه ولا من الناس . فالعقل مُخاطب ، وهو الذي يفهم الشرع . ومن يلغي عقله حين يحاول أن يفهم الشرع ، يلغي محل الخطاب الإلهي .
ان كتب المرويات مليئة بالاكاذيب ، التى أصبحت بمرور الوقت ، أكثر تقديسا عند البعض من كتاب الله تعالى . والسبب هو اعطاء العقل اجازة مفتوحة . وتقديس البشر السابقين وعدم مناقشة افكارهم . وعندما تحاول مناقشتها ، وفق دلالات القرآن ، تجد من يسبك ويتهمك بالخروج عن الدين ومفارقة الجماعة ، وألأبشع من كل هذا وذاك ، تتهم بأنك قرآني !!! وكأنك من أتباع الراقصة المصرية فيفي عبده اوالمغنية اللبنانية هيفاء وهبي !!!
يضاف الى كل ما تقدم ، أؤكد ان المستميتين في الدفاع عن فرية ارضاع الكبير ، يقولون ما لا يفعلون ، فهم لا يستطيعون تحمل كلمة واحدة ، في أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم وزوجاتهم ليقمن بارضاع كبير أجنبي عنهن . اقترح ان يقال لأي منهم : ان هناك رجلا يود ان يكون ابنا لزوجتك ، او اخا لابنتك, فهل تسمح له بذلك وفق فريتك ، إن كنت حقا تؤمن بما تهرف ؟! ولنرقب ساعتها تقلصات وجهه وتأتآت لسانه !!!
التحقيق العلمي والفقهي ، ينتهي الى ان أحاديث رضاعة الكبير التي شغلت ولا تزال اذهان كم هائل من الناس . هي والعلم عند الله ، مرويات مكذوبة لدسيسة لا يقول بها شرع الله ، ولا يستسيغها عقل مؤمن . وإن نقلها البخاري وكثيرغيره ، او كما يقال نقل الكافة عن الكافة . يجب ان يحكم على هذا الأفك بالبطلان ، وان تواترت رواياته بكثرة في كتبهم على انها احاديث نبوية شريفة. الكتب البشرية بامس الحاجة لتطهير جماعي .
الاردن – 28/7/2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق