دار الأحـبّــة
دار الأحـبّـة من تذكارهـا وجـبـا
حنّ الفـؤاد الـى أبياتهـا وصبا
وهل نسينا وإن شطّ المزار بنا
عـهـداً تقـادم في أكنافهـا عذبـا
أم التباعـد ألـهانـا وغـيّـرنـا
أغـوّر الحبّ أم بحر الوفا نضبا !
فكم فرحنا لمن أحلامه صدقت
فزارهـا ، وطربنا مثلما طربا
وكم وددنـا على الأيام لو قبلت
إعارة الطرف من مِن حيّها اقتربا
لو يعلم الصبّ ما طعم الفراق وما
يلقى الغريب بعيد الدار ، ما اغتربا
دار المحبّ الذي بين السماء اذا
ما خيّروه فغير القرب ما طلبا
صرنا نرى ساعة فيها ولو قصرت
احلى من العمر ، لمّا عمرنا انتُهبا
هي التي بعثرت احلامنا فلهـا
منّا التحيات لا منّاً ولا عتبا
وفـرّقـت لبنيهـا كـلّ نائـلـهـا
فوق المظنّة والتثريب من وهبا
فنال زيد على أطيانـه نشباً
ونال عمرو على إملاقه تعبـا !
سرنا وراء نصيب من محبّتها
وغيرنا خلفما قـد راقه ذهـبا
وقـد رضينا فأمّـا عشقها فلنا
وليعشق الحور من بالحور قد رغبا
أخي أعاديـه من أجل السماء وما
أثابني ( الحقد) من أسبابهـا سببا
(أين الوفيّ الذي صان الإخاء وما
يوماً بناديه من خمر القلى شربا !)
نـام العدو بخير من تفرّقـنـا
وراح يعبث في أقداسنا طربا
ففتّ في عضدنا والدهر شال بنا
والجهل شيّد في أقحافنا قِببا
قوم بغير عـداء لا يطيب لهـم
عيش . وما وجدوا في كنفه نصبا
تقهقر الحبّ من أضغانهم وطوى
بسـاطه وتولّى ممعناً هربـا
-
تمسّحوا بإهـاب الديـن وابتدعوا
مهازلاً وأحالوا إفكهم كتبا
وزخرفوهـا فكم احدوثـة صفعت
وجه الحقيقة حتّى بات مكتئبا
وكم عـزوا لرسول الله "نازلـة"
حتّى الذي قيل في أخلاقه قلـبا
لو كان للدين جند يغضبون لـه
لـقـدّموهـا الى نيرانهـم حطبـا
لعلّ ابليس من تزويقهـا و لها
قام (احتراما) على رجليه منتصبا
(ومكبراً) مال - مزهوّاً بما فعلوا -
الى الأمام وأحنى رأسه عجبا
مضى يفاخر فينا ليس يعدلنا
بفضة الأرض أو في ملئها ذهبا
أولئك الناس يا "جبريل" كيف ترى
أأخطأ السهم ، أم سيف الفتون نبا ؟
وأعربت عن أماني قلبه كلم
أجازها النصر لمّا صبره غُلبا..
يا ليت ، قال ( وكان الروح يسمعه)
لو عالم الأرض كانوا كلّهم عربا !
وراح يرقص تيّاها بنـا فرحا
الـى القبيل وعاد "الروح" منتحبا
-
وأخـوة قـلّـدونا فـي " تعاطـفـنـا
وفي اليقين " وسارت خيلهم خببا
تحالفت وقوى الشيطان طائفـة
منهم تزيغ . . وكانت أعـبـدا جُرُبا
كأنّ كلّ أماني القوم من زمنٍ
وموطنٍ ليصيروا ذيل من غصبا !
فلا المسيح مسيح الحبّ علّمنا
حبّ السلام ، ولا من أجلنا صلبا
فأين عينيه من أوكارهم فيرى
وسوطـه لانتهاك الحقّ قد غضبا
مأوى اللصوص فيأتيها ويمعن في
أقذالهم ويريهم في الضحى الشهبا !
*
يا ليل دعنا وتفجير الجراح ومن
شكوى الزمان وقم نستطلع الحجبا
هذي نجومك قد توحي لنا خبرا
بما لنا في ضمير الغيب قد كتبا
ففي الجماد اذا أصغيت تذكـرةٌ
تغني فؤادَك عمّا قالت الخطبا
يـا ليل كـم ليلـةٍ حـفّ السهاد بهـا
طوى المشوق على الأشجان مضطربا
ثوى الفؤاد على جمرالغضا ومضت
به السنون وما غال النوى لهبا
بتنا وأجنحة الأحلام تحملنا
لدارنا . . وترينا أنفساً حُبَبـا
فسرّنا ما تراءى , في الظنون ، لنا
وفجّر الشوق من أجفاننا قِربا
كأن تزحزح من أفراحنا وهوى
همٌّ أنـاخ على أكبادنـا حِقبـا
رحنا نترجم أبعاد السرور بها
دمعاً ونلثم في أعتابها تُرُبا
فجاء صبحك يمحو كلّ ما رسمت
أحلامنا ويرينا رسمهـا كذبـا
قسا علينا ولم يحفل بأدمعـنا
( ولا ملام ) فهذا طبع من غلبـا
-
ترى نعـود وفي الأيـام باقيـة
الى الديار ونقضي للمنى أربا
أمِ انّها كرؤى المحموم أخيلةٌ
شأن السراب وحلم الطامعين هبا ؟
وأنّنا سوف يفنينا الحنين الى
ربوعها ، ونقضّي عمرنا غُربا
وهل تعود الى لبنان وحدته
بدافع الخير في أبنائه النجبا
تقطّعت لفساد الرأي بينهم
عرى المودّة من طغيانهم إربا
كـأنّ مـا عمّت الدنيـا منائـره
وما استقرّت على أرجائها شهبا
يا ليت لبنان يأتيه السلام ولا
يرى على الدهر من أعدائه رهبا
ويزدهي ويعود الحبّ طابعه
فغيره في حمى لبنان ما وجبا
